:
أيها الأخوة الكرام, ما من إنسان يخضع لله, يمرغ جبهته في أعتابه, يسأله، يتذلل إليه ، ينكسر على بابه, إلا أعزه الله، ورفع شأنه، يقول الملك الظاهر بيبرس: ما استقر ملكي حتى مات العز بن عبد السلام، عالم جليل، بقدر عبوديتك لله يرفعك الله، وبقدر أن تقول أنا، وأنا فعلت، وأنا تركت، وأن تنسى الله عز وجل، وأن تشهد عملك الكبير فيما تتوهم, فأنت في طريق الهلاك.
يا محمد, ماذا تريد أن تكون: نبياً عبداً أم نبياً ملكاً؟ قال:
((بل نبياً عبداً، أجوع يوماً فأذكره، وأشبع يوماً فأشكره))
ما من مؤمن ليس له صلة بالله، أحياناً يناجي ربه، أحياناً يتذلل إليه، أحياناً يعلن توبته له، هذه المناجاة، هذا الخضوع، هذا التذلل، هذا قمة العبودية لله عز وجل، هذا الذي وقف في وجه التتار, سجد لله, هو نور الدين الشهيد، قال: يا رب, من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك، يا رب أنا لا شيء، أنا كذا، انصر دينك.
بقدر ما تتذلل له فيما بينك وبينه يرفع شأنك، ويعلي قدرك، ويعزك، ويقهر أعداءك، وبقدر ما تقول أنا يخذلك.
قف هنا :
قال المتنبي يمدح نفسه:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسـمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شوارده ويسهر الخلق جراها ويختصم
وجاهل مده في جـهله ضحك حتى أتته يد صرافة وصــم
كان يمشي بين حلب وبصرى، خرج عليه أعداؤه فولى هارباً، هذا الذي نظر الأعمى إلى أدبه، هذا الذي قال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والقرطاس والقلم
قال له غلامه: ألم تقل هذه الأبيات؟ قال له: قتلتني قتلك الله، وعاد فقتل، إذا قلت الله: تولاك، وإذا قلت: أنا، تخلى عنك.
أكاد أقول لكم: هذه تجربتان؛ تجربة بدر، وتجربة حنين، والصحابة هم هم، في بدر افتقروا إلى الله فنصرهم، وفي حنين قالوا: لن نغلب من قلة فتخلى الله عنهم.